الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

ليته لم يكتب؟!



قرأت كتاب "نصف قرن من الكفاح" للعقيد الطاهر الزبيري أكثر من مرة.. وباستثناء الملاحظة التي سجلتها من قبل في هذا الركن والمتعلقة ببعض المبالغة في تضخم الأنا الأعظم للكاتب إزاء بومدين.. فإن الكتاب يسجل شهادة إنسانية لمناضل ومجاهد من طينة أخرى، ولو كنت وزيرا للتربية لعرضت هذا الكتاب في المدارس الجزائرية في مادة المطالعة الموجهة للاعتبارات التالية:

أولا: الكتاب شهادة حية عن الصراع بين المجاهدين وبقايا فرنسا في الجزائر المستقلة يدل على أن الحرب بين الجزائر وفرنسا لم تنته في 1962.. بل ما تزال متواصلة إلى اليوم.. وقد نحتاج إلى 132 سنة أخرى كي تضع هذه الحرب أوزارها! وأن حرب المجاهدين ضد الخونة كانت داخل أجهزة الدولة في الجزائر المستقلة أكثر ضراوة من الحرب ضد فرنسا.. لأنها حرب فرنسية مجزأرة وقودها الجزائريون فقط.

ثانيا: كتاب الزبيري ذكر معلومتين في غاية الأهمية والخطورة تتعلقان بالحرب التي ما تزال دائرة في الجزائر.. وتقول المعلومة الأولى إن من أعد ملف اتهام العقيد شعباني قائد الولاية السادسة هو الملازم محمد تواتي الدركي الذي جاء إلى الجيش عبر الجيش الفرنسي.. وأن من نفذ حكم الإعدام في شعباني بعدما حكم عليه بالإعدام هو النقيب عبد الحميد لطرش وهو أيضا جاء إلى الثورة متأخرا عبر قناة الجيش الفرنسي! وأن القضاة كانوا أيضا من نفس المدرسة! ومن أعد ملف شعباني أصبح جنرالا.. وهو اليوم المحرر الرئيسي للإصلاحات التي يعلق عليها الجزائريون آمالا لحل مشاكلهم! والمصيبة أن الطاهر الزبيري الذي ثار ضد ضباط فرنسا وعاش ما عاش من أهوال ذكرت في الكتاب ها هو اليوم عضو في مجلس الأمة ويجد نفسه مجبرا طوعا أو كرها على التصويت على إصلاحات تواتي! فماذا تغير حتى يقبل سي الطاهر اليوم ما رفضه بالأمس وحمل في وجهه السلاح؟!

ثالثا: قد يكون بومدين قد ارتكب جريمة في حق الثورة الجزائرية حين مكن هؤلاء الذين ثار ضدهم الزبيري من مفاصل الحكم.. لكن هل كان وضع الجزائر سيكون أفضل مما هو عليه الآن لو اعتمد بومدين على أمثال الطاهر الزبيري الذين يعتبرون الدبابات سيارات ويسيرون بها 150 كلم لأجل تصحيح الأوضاع! تماما مثلما كان المجاهدون في مزارع التسيير الذاتي في 1963 يذهبون بالجرارات الزراعية عشرات الكليومترات لشراء "علبة شمة" وفعلوا بالفلاحة ما فعلوا! حتى أصبحت المزارع الآن يعاد بيعها للكولون الجدد!

هل كان حالنا في عهد حكم المجاهدين من أمثال الزبيري يكون أفضل من حكم هؤلاء الذين سللتهم فرنسا داخل جهاز دولة الجزائر المستقلة؟! هذا موضوع جدي للنقاش!

رابعا: كتاب الطاهر الزبيري جعلني أحس بالإحباط.. وأفقد الأمل في قيام جزائر الحق والعدل والقانون.. جزائر المؤسسات.. والحال أن الإصلاحات الموعودة ستقدم لنا ممن كان لهم شرف إعدام شعباني وكريم بلقاسم وبوضياف وعبان وزعموم ولعواشرية ولعموري وخيضر.. وشردوا أمثال الزبيري وقائد أحمد وبومعزة ومنجلي وآيت أحمد.. هؤلاء هم الذين يشرّعون للجزائر المستقلة الإصلاحات ويفرضون على أمثال الزبيري في مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني رفض قانون تجريم الاستعمار؟! لماذا يجرم الاستعمار وأمثال الزبيري يمكن حملهم في مجلس الأمة على تجريم أفعالهم هم؟!

خامسا: الكتاب صيغ بلغة سليمة من طرف الشاب مصطفى دالع.. ورغم التكرار لقضية واحدة هي الحكم الفردي وضباط فرنسا في كامل صفحات الكتاب إلى أن الصياغة الجيدة لهذا المحرر الصحفي الشاب غطت على الأمر.. وبانت براعة المحرر أكثر في تصوير الحالة الإنسانية التي رواها الزبيري وهو يقطع الجبال نحو تونس كقائد أركان جيش الجزائر المستقلة وليس كثائر ضد جيش فرنسا؟! هل فهمتم الآن لماذا أنا محبط وأشم رائحة "الشياط" في الجزائر؟! ليتك لم تكتب يا عقيد؟!

بقلم: سعد بوعقبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق