أيها الرئيس .. إنك ميت!
هل ينبغي القول إن خطاب الرئيس كان خيبة أمل؟ لا طبعا، فلم يكن هناك أمل
أصلا. إنه خطاب سلطوي وليس قيادي فهو يبرر ولا يبادر. نعم الرئيس بوتفليقة
ليس رجل إصلاح إنه الصوت المعبّر عن النظام وعن الركود والوضع القائم.
ومؤكد أن الجمهورية الثانية لن تقوم على يديه.
وبالمناسبة غير السعيدة أذكّر الحاكم بقصة عبرة. تقول قصة تروى عن الاسكندر
المقدوني أنه استدعى قائد جيشه قبل موته ليوصيه ثلاث وصايا.
الأولى أن لا يحمل نعشه إلا الأطباء. والثانية أن تنثر قطع كل الأحجار
الكريمة التي جمعها على الطريق من بيته حتى المقبرة. وقال في الوصية
الأخيرة ''حين ترفعوني على النعش أخرجوا يداي من الكفن وأبقوهما معلقتين
للخارج وهما مفتوحتان''. ولما سأله قائد جيشه عن معاني ذلك قال: ''في
الأولى أردت أن يعرف الناس أنه إذا حضر الموت لا ينفع في رده حتى الأطباء.
وأما الثانية فحتى يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباء
منثورا. وأما الثالثة، فحتى يعلم الناس أننا قَدِمنا إلى هذه الدنيا فارغي
الأيدي وسنخرج منها فارغي الأيدي كذلك''.
وقد ذكّرتني هذه القصة الحكمة بمقال لرئيس تحرير يومية الدستور المصرية
إبراهيم عيسى. المقال لم ينشر حينها وطرد بسببه من منصبه، وكان بعنوان
..إنك ميت يا مبارك'' وجاء في مطلع هذا المقال: ''..سيادة الرئيس مبارك،
سأقول لك ما لم يقله لك مفتيك ولا شيخك ولا خطباؤك ولا فقهاؤك الذين
عيّنتهم وأجلستهم بجوار كرسي عرشك يبررون ويحللون ما حرّمه الله من تعذيب
واعتقال وفساد واستبداد ويحرّمون ما حلّله الله من قوْلَة حق أمام سلطان
جائر أو حتى عادل، وسأقول لك ما لم تسمعه من بِطانتِك التى تنافقك وتمتدحك
وتصعد بك إلى مصاف الأبرار المقدسين ولا تنطق إلا بآيات شكرك وحمدك على
مناصبهم ونفوذهم وفلوسهم، سأقول لك ما لم تقرأه من كَتَبَتِك ومداحيك
وطبالى مواكب نفاق السلاطين ومُصَاحِبيك على جناح طائرتك وعرشك، أقول لك
سيادة الرئيس إنك ميت .. وإنهم ميتون!''
هذه الرسالة يمكن أن توجّه لكل الحكام من أشكال مبارك وبن علي وبوتفليقة
والأسد وعبد الله صالح وغيرهم كثير، لكن يبدو أن أغلب أوقات مثل هؤلاء
الحكام تصرف في اللهث وراء مزيد من السلطة ومزيد من المال والجاه.
إنهم لميتون وقبل أن يُسألوا في آخرتهم نَسْألهم عما فعلوا بنا وبأوطاننا:
كم فرصة للإصلاح ضيّعتم وكم من زمن أهدرتم وكم من آمال أجهضتم وكم من آلاف
المليارات أهدرتم وكم من فقير تركتم، كم من بطّال صنعتم وكم مصنع أغلقتم
وكم من فاسد أغنيتم وكم من مواطن أفسدتم وكم من مريض عذّبتم وكم من طالب
أهملتم وكم من مواطن اعتقلتم وعذّبتم وكم من شاب وكهل حطّمتم وكم من
مليارات أحصيتم في حساباتكم.
كم من دعاء محتاج أو مظلوم لم تنصروا وكم من جائع لم تطعموا وكم من مريض لم
تداووا وكم من فاسد لم تحاسبوا وكم وكم..القائمة طويلة. أضيف فقط أن أتعس
شيء نتذكره جميعا هو أنهم جعلونا مضحكة عند البشرية جمعاء. جعلونا بين
الفقراء نحن الأفقر ونحن بين الأغنياء الأغنى ماليا.
أكثر من هذا تراهم يتمسكون بالسلطة بطريقة مرَضِيّة مضحكة مبكية. من علي
عبد الله صالح في اليمن غير السعيد مرورا بالأسد، الذي يصر أن سوريا بخير
وأن المؤامرة خارجية أتت بتحالف
''قطر والإخوان والغرب''!! وأكبر مؤامرة علينا هي استبدادهم وفسادهم الذي
جعلنا نهبا للغرب والشرق، إلى مبارك وبن علي والقذافي ونهايته المأساوية
إلى بوتفليقة وأصحاب القرار ورفض أي تغيير والوقوف ضد الإصلاح لأنه لا شيء
يستدعي ذلك، فالناس لم تخرج للشوارع وبالتالي فهي راضية بفساد الحال وبغياب
المؤسسات وهدر الثروات وغلاء الأسعار ورداءة المستشفيات والمدارس
والجامعات وتعاسة الحكومة ورداءة وزراء الولاء وغيره كثير.
كيف سيذكر التاريخ هؤلاء؟ مؤكد لن يقول أنهم مصلحون ولا قادة. قد لا يذكرهم
إلا بفساد أوضاع بلدانهم. قد تقول كتب التاريخ: حكم بلاده لمدة (كذا)
بالاستبداد والفساد فثار عليه شعبه فأسقطه أو قتله.
جريدة الخبر
27-12-2011 مصطفى هميسي