الخميس، 16 فبراير 2012

أوروبا تنعم بالدفء الجزائري والمسحوقون يموتون دون الغاز



هل من عقل يفسر لنا كيف تعاني العديد من المناطق في الجزائر من عزلة تامة، غطتها الثلوج وهي مقطوعة عن العالم الخارجي منذ أيام، لا غاز للتدفئة والطبيخ ولا إمدادات بالمؤونة ونقص مريع في الأدوية، موتى ومرضى وجوعى ومعزولون ومحاصرون بموجة البارد القارس وانقطاع عن الدراسة وناس أتت الأمطار والثلوج على بيوتهم الهشة، في بلد يصنف في المرتبة الثانية في تصدير الغاز إلى أوروبا، في حين تنشغل السلطة بتحضير الانتخابات البرلمانية في مايو القادم وكأن شيئا لم يكن، بلد الغاز يدفئ أوروبا ويُحرم فئات كثيرة من شعبه في عز البرد وتساقط الثلوج بكميات غير مسبوقة، وإمعانا في المهانة والإذلال والاحتقار يُدعى للانتخاب؟
وكشف عدد من المحتجين أنهم قضوا قرابة 10 ساعات كاملة في طوابير طويلة للحصول على قارورة غاز، قبل أن يتفاجأوا بمطالبتهم بالتنقل إلى مناطق أخرى لانتظار الشاحنات المخصصة لهذا الغرض. وأفاد عيان من دائرة معزولة إن العديد من الشبان تطوعوا لإقامة سلاسل بشرية تمتد لمسافات طويلة، من أجل إيصال مواد غذائية إلى أسر معزولة بالكامل عن العالم الخارجي، وفتح الطرق نحو مساكنها في غياب كامل للسلطات الحكومية.
وهكذا تضخ أنابيب الغاز كميات كبيرة منه نحو أوروبا، والجزائر ثاني مزود لدول الإتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي بعد روسيا، والثالثة في النفط، وهي في هذا أمينة ووفية وحريصة على إيصال الغاز بأوروبا في وقته وبالكميات المتفق عليها، بينما مناطق من هذا البلد الغني بالموارد لا هم لها هذه الأيام سوى توفير قارورة الغاز وبأسعار جنونية في غياب شبه كامل للسلطات في بعض المدن، فما أسرعها في إرسال قوات مكافحة الشغب لإخماد احتجاجات اجتماعية وما أبطأها في إرسال كاسحات الثلوج لإعادة الحياة للمناطق المعزولة.
لم يخرج على الجزائريين أحد من كبار المسؤولين ليعزيهم في ضحايا ليس الثلوج، حاشاه، ولكن هجران النظام للمسحوقين من هذا الشعب، فما دامت الجيوب والمخازن عامرة، حيث بلغت قيمة صادرات المحروقات الجزائرية 71.5 مليار دولار سنة 2011 مقابل 56.1 مليار دولار في 2010 بزيادة 27%، فليهلك المهمشون والمغيبون وما أكثرهم، فكلما زادت صادرات الجزائر من النفط والغاز ازداد الشعب فقرا وحرمانا.
النظام غارق في التخطيط لتنظيم انتخابات برلمانية بما يضمن هيمنة أجهزة السيطرة على مواقع التأثير، قد تجاري (الانتخابات القادمة) "الربيع العربي" في التغيرات التي قد تطرأ على نسب الفائزين في البرلمان القادم لكنه سيرمي بثقله لئلا تقترب من أعماق السلطة وأحشائها، من مواقع القرار فيها، فالاستئثار بالقرار والحكم عنده وضمان السيطرة على مقدرات البلد مقدمة على كل شيء.
نعم تستحق إيطاليا وإسبانيا وأوروبا والولايات المتحدة أن تنعم بدفء الغاز الجزائري، أما المنسيون من الشعب فعليهم الصبر والانتظار إلى أن يصل إليهم الفتات، لأنهم ليس أكثر من عبء وعالة، لا هم لهم إلا التباكي والشكوى والشغب، ولولا مخافة "الفضيحة" الخارجية وتأنيب ساركوزي وعتب هيلاري لتركوا للصقيع أن تخنق أنفاسهم.

هناك تعليق واحد:

  1. نحن (المواطنون)المسؤلون عن هذا الوضع الكارثي لأننا بصمتنا، بل برضانا وقابليتنا للفساد والظلم سمحنا لهؤلاء المتسلطين أعطينا لهم موافقتنا على سلب حريتنا وإرادتنا وأموالنا، ونستحق كل ما يصيبنا من ويلات، لأننا قبلنا بالظلم وسكتنا عنه ورضينا بالسرقة، بدءا من سرقة أصواتنا في الإنتخابات، مرورا بسرقة الأموال العمومية وحقوقنا المشروعة، وإنتهاء بسرقة جيوبنا في الشوارع والأسواق. نحن شعب مصاب بمرض اللامبالات، عقولنا شاغرة لا نستخدم خلايانا العصبية، نجيد مزج الخوف بالإنانية، ولا ندافع عن المظلوم، طبقا للمقولة الجزائرية "تخطي راسي وتفوت". حتى عندما نرى اللصوص يعتدون وينهبون جيوب الناس في الشوارع والأسواق وفي وضح النهار، نقف متفرجين وكأن شيئ لم يحدث. نحن شعب بائس تعلمنا الطلبة، والغلبة، والجشع، لا نحب العمل أي "دي برا كاسي" كلنا نريد المال السهل ونلجأ إلى أي وسيلة لكسبه، حتى وإن كان ذلك باختلاس الأموال العمومية. الكل يريد أن يسرق. لقد فقدنا الوعي وعَمَت بصيرتنا وفاحت رائحة التعفن من كثرة القاذورات التي أحاطت بنا. إنها حالة لم أجد لها وصف أو تعبير إلا في كتاب "Ensayo sobre la ceguera" للكاتب البرتغالي خوصي سَرِماغو. نحن نحتاج إلى تعقيم جذري، للحصول على زرع صافي من الدنس، وهذا لن يتأتى إلا بعزل "le méristème " للحصول على فرد إجتماعي خالي من التلوث وقادر على مقاومة كل المكروبات، أي مواطن متحضر صالح لمجتمعه وقادر على التفكير الحر والوقوف بوعي كامل ضد لصوص الإرادة والجيب. إلى ذلك الحين، ستبقى مدنية المواطن الحالي على حالها غائبة ومغيبة وعرضة للتنكير والتجاهل.

    ردحذف